21
نوفمبر
2025
الاستقراء… لماذا كان مشكلة ؟ وكيف حلّها السيد محمد باقر الصدر؟
نشر منذ 2 ساعة - عدد المشاهدات : 39

بقلم الخبير المهندس :- حيدر عبدالجبار البطاط

يُعدّ الاستقراء واحدا من أهم طرق التفكير البشري فهو الأساس الذي تُبنى عليه العلوم والتجارب وهو الطريقة التي نفهم بها العالم من حولنا.

لكن رغم بساطته الظاهرية فقد أثار سؤالًا فلسفياً  عميقاً حيّر كبار الفلاسفة لثلاثة قرون حتى قدّم الشهيد محمد باقر الصدر حلًّا متيناً  ومبتكراً في كتابه الخالد «الأسس المنطقية للاستقراء».

أولًا:

ما هو الاستقراء؟

الاستقراء ببساطة هو أن نلاحظ مجموعة حالات صغيرة ثم نستنتج منها قاعدة عامة.

نرى شيئاً  يتكرر أمامنا فنظن أنه قانون.

مثال قريب من الحياة اليومية:

إذا رأيت عشر تفاحات تسقط للأسفل فسوف تقول ببساطة ،كل الأشياء تسقط نحو الأرض.

هذا الانتقال من ( جزئي ) إلى ( عام ) هو الاستقراء.

مقابل الاستقراء  الاستنتاج (القياس / deduction) ،وهو العكس تماماً

نبدأ من قاعدة عامة  >> نصل لحكم جزئي.

مثال

كل إنسان فانٍ ( قاعدة عامة)

علي إنسان.

إذن علي فانٍ

هذا يسمى استنتاج وليس استقراء

ثانياً :

لماذا نستخدم الاستقراء؟

لأننا لا نعرف كل شيء منذ البداية ولا يمكننا رؤية كل الظواهر في الكون.

لذلك نعتمد على ما نشاهده من تجارب وملاحظات لنفهم العالم.

جميع العلوم الحديثة – الطب الفيزياء، الكيمياء الاقتصاد – مبنية على هذا المنهج.

فالطبيب يلاحظ نتائج دواء على مجموعة مرضى ثم يعمم الحكم.

والفيزيائي يكرر التجربة مرات عديدة ليصل إلى قانون.

        تكرار التجربة

        تراكم الملاحظات

        التجربة العملية

ليصل إلى حكم شامل.

العقل يطمئن للنتائج التي تتكرر أمامه حتى وإن لم يختبر كل الحالات.

ثالثاً:

أنواع الاستقراء

1. الاستقراء التام

نفحص كل الحالات → القانون يكون يقينياً.

وهذا نادر في الطبيعة.

2. الاستقراء الناقص

نفحص بعض الحالات فقط → الحكم يكون ظنياً ،وهو الأكثر استخدامًا في العلوم.

3. الاستقراء الإحصائي

يعتمد على دراسة أعداد كبيرة والنتيجة تكون احتمالاً مثل

40% من المدخنين يتعرضون لأمراض القلب.

رابعاً :

المشكلة الفلسفية للاستقراء

رغم أن الاستقراء يبدو طبيعياً  جداً إلا أنه يواجه مشكلة كبيرة،  كيف ننتقل من ملاحظات قليلة إلى حكم يشمل العالم كله ؟

إذا رأيت ألف غراب أسود هل هذا يكفي لتقول  كل الغربان سوداء؟

ربما يوجد غراب أبيض لم نره بعد!

إذن

الاستقراء ليس يقينياً ولا يوجد في المنطق التقليدي ما يبرّر هذا الانتقال الكبير.

هذه هي المشكلة التي حيّرت

ديفيد هيوم

كارل بوبر

أرسطو

وفلاسفة العلم الحديث

ولم يقدم أحد حلًا مقنعًا ونهائياً .

خامسًا

 حلّ الشهيد محمد باقر الصدر للمشكلة :

قدّم الشهيد الصدر رؤية جديدة عميقة وبسيطة وهي أن العقل لا يحتاج إلى اليقين المطلق ليقبل نتيجة معينة  في الوقت نفسه تقوم على ثلاث ركائز.

1. العقل يمتلك مبدأ داخلي مسبق

هذا المبدأ يقول

إذا تكررت ظاهرة معينة مرات كثيرة فهذا يعني أن وراءها قانوناً  ثابتاً ،هذا المبدأ موجود في العقل قبل التجربة وليس ناتجاً عنها.

2. كل تجربة جديدة تقوّي احتمال وجود القانون ،وعندما نلاحظ أن الماء يغلي عند 100 درجة مرة بعد أخرى فإن احتمال أن يكون هذا مجرد صدفة ينخفض ،واحتمال وجود ( قانون ثابت ) يرتفع.

ومع تكرار التجربة 1000 مرة يصبح احتمال الخطأ ضعيفاً جداً.

3. الوصول إلى اليقين العملي

اليقين هنا ليس يقينًا رياضيًا مثل ( 1+1=2 ) بل هو يقين موضوعي قوي إلى درجة نعامل القانون على أنه صحيح.

مثل يقيننا بأن الشمس ستشرق غداً.

ليس هناك دليل منطقي 100% لكن هناك ملايين التجارب المتراكمة.

هذا هو اليقين الذي يبني الصدر عليه منهجه.

سادساً :

ماذا يضيف الصدر إلى الجانب الإيماني؟

الصدر يقول:

إذا كان العقل يقبل بتراكم الشواهد في كل الأمور العلمية فهو يقبل أيضًا بتراكم الشواهد على وجود خالق منظّم.

يعني أن:

الإيمان بالله  ليس عاطفة بل يستند إلى  استقراء كوني مبني على نفس المنطق الذي تُبنى عليه الفيزياء والكيمياء.

سابعاً:

لماذا يعتبر حلّ الصدر ثورة معرفية؟

لأنه:

أعطى أساسًا عقليا للاستقراء

فسّر لماذا تنجح العلوم التجريبية

ربط بين المنطق والعقل والتجربة

قدّم منطقاً  استقرائياً جديداً  ومتكاملًا

أعاد صياغة العلاقة بين العلم والإيمان

وبهذا كان كتابه نقلة نوعية في الفلسفة الحديثة.

خلاصة

الاستقراء هو طريق المعرفة البشرية لفهم العالم.

وهو الانتقال من ملاحظات بسيطة إلى قانون عام.

ورغم بساطته إلا أنه يطرح مشكلة فلسفية كبيرة.

لكن الشهيد محمد باقر الصدر أعطى تفسيراً  جديداً وقوياً مبنياً على تراكم الشواهد والمبادئ العقلية

ليصل إلى يقين عملي يبرر الاعتماد على القوانين العلمية.

إن فهم الاستقراء بهذا الشكل يجعلنا نُدرك كيف يفكر العقل وكيف تُبنى المعرفة وكيف تلتقي الفلسفة بالعلم…

والإيمان بالعقل.

 


صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار