9
اكتوبر
2025
حين تتحول ظاهرة التسول لتجارة ورحمة لغطاء الجريمة !!! جعفر محيي الدين - النجف
نشر منذ 4 ساعة - عدد المشاهدات : 38

الحاقاً بالمقال السابق بعنوان {اتجار صامت بكرامة الإنسان فمن المستفيد؟} يأتي هذا المقال استكمالاً لما طُرح من رؤى وتساؤلات حول ظاهرة التسوّل التي تجاوزت حدود الحاجة لتتحول إلى مشروع منظم يستغل الإنسان وكرامته، فما بين ضعف تطبيق القانون وغياب التنسيق بين الجهات المعنية، وتواطؤ الصمت المجتمعي تمددت هذه الظاهرة حتى غدت جزءاً من المشهد اليومي للمدن.

وفي هذا الجزء نحاول الاقتراب أكثر من الجذور القانونية والاجتماعية والأمنية، وطرح حلولٍ عملية تعيد لهذه القضية وجهها الحقيقي قضية كرامة لا صدقة.

ورغم ما يُشاهد يومياً من مطارداتٍ في الشوارع يقودها رجال الأمن ضد المتسولين، يبقى السؤال الجوهري.

هل تنتهي هذه الملاحقات إلى القضاء فعلاً؟ أم أنها مجرّد استعراضٍ ميداني لإثبات الحضور لا أكثر؟.

من يتابع بدقة يلاحظ أن أغلب هذه التحركات لا تتجاوز حدود (المشهد) إذ نادراً ما نرى نتائج ملموسة أو تفكيكاً لشبكاتٍ منظمة، فالمتسولون يعودون سريعاً إلى أماكنهم وكأن شيئاً لم يحدث، فيتكرر المشهد ذاته يومياً مطاردة غياب مؤقت، ثم عودة إلى الرصيف نفسه!.

هذه ليست مكافحةً حقيقية بل ترحيلٌ مؤقت للمشكلة ،فالواجب يُقاس بعدد الملفات التي تُحال إلى القضاء، لا بعدد الدوريات في الشوارع، فالتسوّل اليوم أصبح باباً واسعاً للاتجار بالبشر واستغلال الفقر تحت عنوان الحاجة، ضعف التنسيق بين الجهات الأمنية ووزارة العمل والقضاء جعل الظاهرة راسخة لا تزول ،كل جهة تُلقي بالمسؤولية على الأخرى، فيما تضيع كرامة الإنسان خلف (إجراءات شكلية) لا تمسّ جوهر المشكلة.

كما ينصّ قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 في المادة (390) على أن كل من وُجد متسولاً في مكانٍ عام أو خاص وكان له موردٌ ظاهر للعيش أو قادراً على العمل يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة أو بالغرامة.

كما تُشدد المادة (391) على معاقبة من يستغل الأطفال أو ذوي الإعاقة في التسوّل، وتُضاعف العقوبة إذا تم ذلك ضمن تنظيمٍ أو عصابة ،هذه القوانين تهدف إلى صون كرامة الإنسان وحماية الطفولة من أن تتحوّل إلى وسيلة استجداء .

غير أن النصوص وحدها لا تكفي، فالمشكلة تكمن في ضعف التنفيذ وغياب التنسيق بين الداخلية والرعاية الاجتماعية لملاحقة الخلايا التي تُجنّد الأطفال والنساء تحت ستار الحاجة، لقد تطورت الظاهرة لتصبح نشاطاً منظّماً يستغل الجهل والعوز في أعمالٍ غير قانونية، قد تصل إلى تهريب الممنوعات أو تنفيذ جرائم بالأجرة أو نقل معلوماتٍ ميدانية، من هنا ينبغي أن يكون دور الأجهزة الأمنية هو تفكيك تلك الشبكات وإحباط مشاريعها قبل أن تتحوّل إلى تهديدٍ أمني واجتماعي خطير ، من خلال المقال نقترح عملية للمعالجة.

-تشكيل فرق ميدانية مشتركة بين الداخلية والرعاية الاجتماعية للتحقيق مع الموقوفين بدلاً من الاكتفاء بترحيلهم.

-إنشاء قاعدة بيانات وطنية لتتبع الحالات المتكررة وكشف الشبكات المنظمة.

-توعية المواطنين بعدم تقديم المال للمتسولين، فالمساعدة العشوائية تُغذّي الظاهرة بدلاً من الحد منها.

-توفير فرص عمل وبرامج تأهيل للفقراء والعاطلين لتجفيف منابع الاستغلال.

- تشديد العقوبات على من يثبت استغلاله للأطفال أو ذوي الإعاقة .

مكافحة التسوّل ليست مهمةً أمنية فحسب، بل مسؤولية وطنية مشتركة تحتاج إلى وعيٍ مجتمعي وتطبيقٍ قانوني حازم فمن يمنح المال اليوم بدافع الرحمة، قد يموّل غداً شبكةً تستغل الضعف الإنساني لأغراضٍ لا علاقة لها بالرحمة إنها ظاهرة تنخر المجتمع بصمت، وحان الوقت لأن تُواجه بجدّية تُعيد للإنسان كرامته وللشارع هيبته.

 


صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار