23
يوليو
2024
دور القضاء العراقي في التنمية ..... بقلم : الدكتور علي الشيباني/ النجف
نشر منذ 4 شهر - عدد المشاهدات : 224

 

لازال الكثير من الناس يعتقد بأن وظيفة القضاء اليوم قاصرة على المبدأ التقليدي المتمثل بدور القاضي في النظر بالنزاع القضائي المعروض أماه فقط ، دون أن يتوسع هذا الدور لما هو أكبر من حيث الأثر و المضمون . و لعل هذه النزعة ترسخت في نفوس الكثير و منهم ممن يشتغلون في ميدان العمل القضائي بمختلف مكوناته بالمعنى الواسع ، فضلاً عن أن هذه الفكرة هي السائدة الى حد كبير في مخيلة ممن يعملون في السلطة التشريعية و التنفيذية ، حتى وقتنا الحالي و ذلك بسبب الهيمنة الكبيرة التي كانت تمارس قبل عام ۲۰۰۳ على المؤسسة القضائية من قبل نظام متسلط ، بحيث ربط القضاء بشكل مباشر بالحكومة من خلال ما يعرف ب (مجلس العدل)  الذي كان يرأسه وزير العدل آنذاك ، و بالتالي كانت هذه المؤسسة مقيدة بقرارات و تهديدات الحكومة ، طبعاً لا أعني بذلك القضاة كأشخاص ، حيث شهدنا مواقف شجاعة للكثير من القضاة و الذين تعرضوا للمضايقة بأشكال مختلفة ، غير أن حقيقة الأمر وفي ظل التطور الكبير الذي يشهده العمل القضائي في العراق منذ عام ٢٠٠٥ ، حيث أقر الدستور العراقي و ما تلى ذلك من اجراءات واقعية و عملية جعلت من دور القضاء لا يقتصر بمعناه العام في هذا المجال  ( دعم التنمية ) على إظهار و تطبيق النص القانوني على الواقعة ، محل النزاع المعروض أمام القاضي ، لا بل تعدى ذلك الى أدوار كبيرة و هامة و أكثر جدية في تحقيق المساهمة الفاعلة في التنمية بمعناها الواسع ، بوصفه الشريك الحقيقي و الموضوعي لباقي السلطات في تذليل العقبات التي تواجه التنمية .

سيما وأن القضاء اليوم بات يساهم بشكل كبير في تأطير الأنشطة الاقتصادية ، من خلال ضبط قواعد التعامل كي تسودها مقومات الشفافية ، حيث بات من المبادئ الراسخة لدى المنظمات الدولية ، بأن معيار التنمية في دولة ما يرتبط بشكل وثيق بمدى قدرة السلطة القضائية على ترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات ، وفق ما تقرره الدساتير من جهة و حماية مبدأ تكافؤ الفرص و المساواة من جهة ثانية .

و في العراق تبدو إرادة السلطة القضائية متمثلة برئيسها القاضي فائق زيدان واضحة بشكل جلي ، في تحقيق التنمية من خلال سعيه الحثيث لتحقيق جملة من المسائل ، التي عززت عمل المنظومة القضائية في تحقيق الإستقلال الفعلي للقضاء ، بحيث بات العراق محط أنظار الكثير من الدول في هذا المجال من خلال تحقيق الإستقلال المالي ، كون هذا الأمر يمثل ضمانة حقيقية للقاضي في ممارسة وظيفته الأساسية ، بعيد عن أي ضغط أو تهديد ، حيث تم تشريع قانون مجلس القضاء الأعلى رقم (٤٥) لسنة (۲۰۱۷) بتاريخ ۲۰۱۷/۱/۲۳ ، و الذي ضمن الإستقلال المالي و الإداري للمنظومة القضائية في العراق ، الأمر الذي أنعكس إيجاباً على دور القضاء في دعم و تحقيق التنمية في العراق .

حيث ساهم تشريع هذا القانون في تحقيق الأمن القضائي الذي يعد ركيزة أساسية في حماية الحقوق و تحقيق الإستقرار في الدولة ، مما يسهم في إيجاد بيئة آمنة للأستثمار الذي يهدف الى تحقيق التنمية في العراق .

و لعل أهم ما يميز دور القضاء في دعم التنمية وفق المعايير الدولية هو ضبط التوازن ما بين السلطات ، من حيث علاقتها ببعض وضبط حدود العلاقة بين هذه السلطات و الأشخاص ،  سواء الطبيعية أو المعنوية ، الأمر الذي يمكن لأشخاص من ممارسة نشاطاتهم الإقتصادية بحرية و أمان ، حيث يعلم كل شخص بأن حقوقه مصانة قانوناً من خلال السلطة القضائية بكافة أجهزتها العاملة في العراق ، و التي سنأتي على بيان دور كل منها في مقالات متسلسلة .

و لعل أبرز ما ظهر من قرارات هامة في حفظ هذا التوازن و تحقيق مبدأ الفصل بين السلطات ، و القرار الأخير الذي أصدرته الهيئة العامة لمحكمة التمييز الإتحادية بالعدد (٤/ هيئة عامة / ٢٠٢٤) في ۲۰٢٤/٥/٢٩ و الذي أعتبر قرار المحكمة الإتحادية العليا بالعدد (١٠٢ / اتحادية / ٢٠٢٤) قراراً معدوماً ، كونه جاء يمثل  تجاوزاً على حدود السلطة التشريعية ، كون القرار تضمن تعديلاً لنص قانوني نافذ ، مما يخل بمبدأ الفصل بين السلطات ، غير أن القضاء العراقي تدخل بشكل قانوني واضح لتصويب البوصلة ، الأمر الذي يشعر الجميع بالضمانات الكافية للحفاظ على حقوقهم .

و لعل من الضمانات الأساسية التي تسهم في تحقيق التنمية ، هو ما يضطلع به مجلس القضاء الأعلى من دور تقويمي للقضاة ، من خلال جهاز الأشراف القضائي و الذي يقوم بممارسة رقابة جادة حقيقية على القضاة ، عند ممارسة عملهم القضائي .. الأمر الذي يشكل ضمانة أكيدة لكل شخص يلجأ للقضاء في تحصين و حماية و أستحصال حقوقه .

فضلاً عن ذلك فإن ما يقوم به القضاء العراقي من دور فاعل و كبير في تحقيق الأمن المجتمعي كونه يوفر الثقة العامة للفرد و الجماعات من خلال اللجوء الى سلطة قادرة و حاكمة في حفظ أرواح و حقوق الناس من العبث بها بأي شكل من الأشكال .

و لعل السلسلة القادمة من هذه المقالات سنحاول التركيز بشكل أكبر حول دور القضاء في التنمية .

 


صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار