|
30
ديسمبر
2024
|
أنا و الجواهري : من دجلة إلى فلتافا بين بغداد و براغ وصولاً إلى دمشق ..بقلم : الشاعرة آلاء أبو الشملات/ لندن
نشر منذ 3 يوم - عدد المشاهدات : 29
|
مفكرةٌ صغيرة كتب عليها براغ ، لم أكن أعرف أين
تقع هذه "البراغ" ..؟؟
احتفظت
بكل الصور الملونة البهية للأبنية و إنعكاساتها على النهر ، للتماثيل و القلعة و الكنائس و الأبراج ...
براغ كانت سحراً للطفلة البحرية التي كنتها ، لم أكن أعرف غير البحر الأبيض
المتوسط و بساتين البرتقال و لم أعتد على الأبنية الملونة البهية ، فبيوتنا حنونة بيضاء مبنية من الحجارة المحلية ، كنت أدرك
بموروثي الشعبي أني الفينيقية أبنة أوغاريت و أن أجدادي بنوا حضارة عريقة هنا ، في
هذه الأرض من أول أبجدية إلى أول نوطة موسيقية
و خطوا أساطيرهم و شعرهم على الرقم الطينية و سافروا بأرجوانهم و قرمزهم عبر
البحار ، لكن لم يتبق من آثارهم المعمارية في المنطقة إلا القليل .. الآثار
المحفوظة في المتاحف و بالطبع في ذلك الوقت ، لم أكن قد رأيت بعد عظمة القلاع
القديمة و التحف المعمارية في بلادي .
بقيت صور مدينة براغ عندي لسنوات طويلة ، قبل أن تضيع كما ضاعت كل مذكراتي .
براغ .. صارت أكثر و ضوحاً مع قراءاتي و أطلاعي
و معرفتي لاحقاً أن نهر العراق .. محمد مهدي الجواهري و بصدفة مدبرة عاش فيها
ثلاثين عاماً و لكنه دفن في دمشق .
هاجرت
و كبرت و عرفت و قرأت .. مرت السنون
قبل عدة أشهر ، عادت براغ إلى مخيلتي و صارت تلح
عليّ دون أن أعرف السبب ، ربما حنين إلى الطفولة التي لن تعود ، ربما لأني أحب
الجواهري و أريد أن أرى مقهاه في براغ ..!!؟؟
يا
الله .. أدرك السبب الآن : زرت بغداد في ربيع هذا العام و كان دجلة يشي بالجمال و
البهجة و قد تراءى الجواهري لمخيلتي ، بين دجلة بغداد و فلتافا براغ و بردى دمشق .
وصلت
مقهى سلافيا في براغ سمعت صوت الجواهري
... خطوات قدميه وهو يمشي إلى طاولته المنزوية يجلس امام النهر و يتأمل ...
يا الله هذا النهر يشبه دجلة لا أعرف ، كيف لكنه يشبهه الآن .. أدرك لمَ أحب
الجواهري براغ و نهرها و لربما لو أستطعت إستعارة نظارته من على صورته المعلقة على
حائط المقهى ، لرأيت براغ تشبه بغداد بعينيه .
هنا
جلس شاعرنا و كتب بريد الغربة ، هنا كان يتأمل وحيداً حيث يعرفه كل أهل المدينة و
مثقفوها : هذا شاعر العراق ..!!
بماذا
كنت تفكر أيها الجواهري ..؟؟
حين
تمشي على ضفة هذا النهر الجميل ، بم كنت تتأمل حين تصمت لساعات أمام مياهه ..؟؟و
بائعة السمك ماذا قالت لك و متحفهم الوطني ذاك ..؟؟
هل
كان يذكرك ببابل و سومر ..؟؟
و هل
كنت ترى براغ صبية بهذا الحسن لتغازلها .
يا
لَخديكِ ناعمينِ
يَضِجّانِ
بالسنا
و
لجفْنَيكِ ناعسينِ
مشى
فيهما الوَنى
يا
شِفائي .. و يا ضنى
حبَّذا
أنتِ من مُنى
حبَّذا
أنتِ في الهوى
من
عقابيلَ تُقتنى
بأبي
أنت لا أبي
لكِ
كفوٌ .. و لا أنا و يا أيها الجواهري ياشاعري ،
هل
أنت مثلي تشعر بالسلام عند من بالنهر ..؟ هل منحنا الله السكينة في أنهر الغرباء
مثلنا ..؟ هل روحك مثل روحي لاتهدأ إلا
قرب المياه ..؟ المياه القديمة القديمة العظيمة .
و يا
أيها الجواهري ياشاعري هل لوثة الشعر بيننا آخت محبة بغداد و دمشق في قلبينا
..؟؟ حتى أني لا أعرف أي شريان في قلبي
يقود إلى المتنبي في بغداد و أيهم إلى باب توما في الشام ..؟؟
شَمَمْتُ
تُرْبَكِ لا زُلْفى و لا مَلَقا .. و سِرْتُ قَصْدَكِ لا خِبّا ، و لا مَذِقا
و ما
وَجَدْتُ إلى لُقْياكِ مُنْعَطَفاً .
إلاّ
إليكِ و لا أَلْفَيْتُ مُفْتَرَقا
و
كان قلبي إلى رُؤياكِ باصِرَتي
حتى
أتَّهَمْتُ عليكِ العينَ و الحَدَقا و سِرْتُ قَصْدَكِ لا كالمُشْتَهي بَلَداً .
لكنْ
كَمَنْ يَتَشَهّى وَجْهَ مَن عَشِقا قالوا (دِمَشْقُ) و (بَغْدادٌ) فقلتُ هما
فَجْرٌ
على الغَدِ مِن أَمْسَيْهِما أنْبَثَقا
مَن
قالَ أنْ ليسَ مِن معْنىً للفْظَتِها
بلا
دِمَشْقَ و بَغدادٍ فقد صَدَقا .
يا
أيها الجواهري با أبن العراق هل أحببت دمشق
كل هذا الحب حتى مت و دفنت فيها ..؟؟
و هل أنا بنت الشام سأدفن
في بغداد التي أحبّ ..؟؟