10
ديسمبر
2024
الجار الجديد: الرضوخ للواقع والتعامل معه /بقلم عبدالعظيم حالوب
نشر منذ 2 اسابيع - عدد المشاهدات : 203

في عالم السياسة الدولية المتغير، برز لي مفهوم "الجار الجديد" كأحد المفاهيم المحورية التي تحتاج إلى دراسة معمقة. فالجار الجديد ليس بالضرورة ان يكون ذلك الشخص الذي انتقل للسكن الى جوارك، بل قد يكون قوة صاعدة في المنطقة، أو حتى تحالفًا دوليًا يعيد تشكيل توازنات المنطقة او ربما يكون نظامًا سياسيًا جديدًا يجاور بلدك، وهذ ما حدث لنا بالفعل قبل  ايام  في ظل الظروف الراهنة في سوريا التي تجاور العراق غربا بواقع 600 كيلومتر.

فمن هو ذلك الجار الجديد؟ وما هي سبل التعامل معه؟ وما هو المرتقب حدوثه من ذلك الجار؟

 ملامح الجار الجديد

الجار الجديد هو جمع من فصائل مسلحة تصل الى 37 فصيلا اجتمعوا تحت لواء موحد اطلق عليه "جبهة تحرير الشام" والتي تمكنت مؤخرا من الاطاحة بالنظام السوري. وهيئة تحرير الشام هي جماعة إسلامية اصولية ، تأسست في عام 2017 بعد اندماج العديد من الجماعات الجهادية. و إحدى هذه الجماعات بل والابرز كانت جبهة النصرة ، ألتي كانت مرتبطة في السابق بتنظيم القاعدة الإرهابي ولتصبح فيما بعد جزء من تنظيم داعش. 

"هيئةُ تحرير الشام " تلقت دعما من قِبل ما يسمى "الجيش الوطني السوري" والذي هو مجموعة من الميليشيات المدعومة من تركيا والتي تحافظ على النظام في بعض المناطق التي تحتلها تركيا في أقصى شمال وشمال غرب سوريا. و"الجيش الوطني السوري" هو ذاتُ الجيش الذي سبق وان استخدمته تركيا قبل بضع سنوات كأداة لردع المتمردين الأكراد السوريين . وهنا بما لا يقبل الشك نقول ان هيئة تحرير الشام والجيش السوري الوطني كلاهما يوالي تركيا..

اما قوات "سوريا الديمقراطية" والتي تسيطر على شمال شرق سوريا ، وهي مجموعة من الوحدات الكردية والعربية فهم يتلقون دعما عسكريا من الغرب وتعتبر هذه القوات حليفا للولايات المتحدة.

وهنا تتضح اكثر ملامح الجار الجديد. فصائل متعددة مدعومة من دول عدة لها تاريخ مشترك في قتال الاسد الا انها تخوض صراعا فيما بينها. فلم يمضِ على زوال النظام السوري يوما واحد حتى وقعت مجزرة في مدينة منبج قضى فيها 26 قتيلا من كِلا الجانبين. حيث كان لتركيا دورا في تأجيج هذا القتال اذ ترى تركيا في" قوات سوريا الديمقراطية" خطرا يهدد امْنها القومي سيّما و ان هذه القوات تدعم حزب العمال الكردستاني المناوئ لتركيا. وهنا يتضح ايضا ان هذا الجار الجديد هو ساحة خصبة لتصفية الحسابات في المنطقة.

 من هو ابو محمد الجولاني ولماذا اصبح فجأةَ احمد الشرع....

"هيئة تحرير الشام" يرجع العديد من فصائلها الى تنظيمات ارهابية مثل القاعدة و تنظيم داعش ويعد " أبو محمد الجولاني" الزعيم الفعلي لتحرير الشام والذي كان الزعيم السابق للقاعدة في سوريا وهو من مواليد  1982 في المملكة العربية السعودية من ابوين سوريَين, انتقل إلى سوريا عام1989.ظهر اسمه على قائمة المطلوبين و قدّرت مكافأة لمن يُدلي بمعلومات تؤدي الى اعتِقاله 10 ملايين دولار.

جدير بالذكر ان الجولاني في الاسابيع الاخيرة وخلال التقدم السريع لهيئة تحرير الشام في سوريا، حاول أن يبدو للعيان كرجل دولة. على سبيل المثال، فقد تخلى عن اسمه "أبو محمد الجولاني " ، وظهر باسمه الحقيقي أحمد حسين الشرع. و أستبدل عمامته بالجينز او البدلة الرسمية.....!

التحديات التي يفرضها الجار الجديد.....

من الصعب التنبؤ بالجار الجديد مع وجود العديد من علامات الاستفهام المحيطة بهذا الدار وهنا يصبح فهم طبيعة هذا الساكن الجديد في سوريا وتحديد كيفية التعامل معه ضرورة ملحّة لضمان الاستقرار الوطني والإقليمي. وهذه "الجيرة" السياسية يجب التعامل معها بوعي استراتيجي.

التعامل مع الجار الجديد يتطلب استراتيجيات دقيقة تجمع بين الدبلوماسية و التحليل الستراتيجي، والقدرة على التكيف مع المتغيرات خصوصا ان سوريا سوف لن تخلو من الوافدين العراقيين الشيعة كون هذا البلد تقع فيه العديد من المقامات الشيعية. ناهيك عن الطيف السني الذي تقع اكبر محافظاته وهي الانبار على طول حدود العراق و سوريا ما يربط الشعبين في هذه المنطقة العرق والمذهب.

المهمة الصعبة..

التعامل مع الجار الجديد ليس بالأمر السهل، فهو ينطوي على عدة تحديات سياسية، أمنية وحتى ثقافية. خصوصا وان عدم وضوح النوايا لهذه الفصائل الجهادية في أغلب الأحيان، قد يكون من الصعب فهم توجهات هذا النظام الجديد، خاصة إذا كان النظام السياسي الجديد يتبنى سياسات متقلبة متشابهة لسياسات  مكوناته والتي كانت فصائل كان لها دور في زعزعة امن العراق منذ الاحتلال الامريكي 2003 وحتى فترة ليست بالبعيدة. هذه الضبابية تفرض على العراق اتباع سياسات حذرة، حيث تظل النوايا الحقيقية لهذا الجار غير معروفة وان عُرفت قد تكون ليست سليمة.

ولو ابتعدنا قليلا عن السوداوية يمكن اعتبار هذا الذي انتقل حديثا الى جوارنا فرصة ايضا لبناء علاقات جديدة تساهم في تعزيز الاستقرار في المنطقة. فها هي ايران الداعم الاكبر للنظام السابق في سوريا تصرح على لسان خارجيتها بإنها تتوقع استمرار العلاقات مع دمشق على أساس «نهج حكيم وبعيد النظر»، ودعت إلى تشكيل حكومة شاملة تمثل كل فئات المجتمع السوري.ولكن رجوعا الى السوداوية فتاريخ المنطقة حافل بالأمثلة غير السارة حول مدى تأثير الجار الجديد على الواقع السياسي والأمني للدول. فتغيير النظام السياسي في افغانستان أدى إلى نشوء أزمات ممتدة، الى الدول المجاورة كإيران وباكستان شهدت موجات من النزوح السكاني قدّرت بالملايين اثر احكام طلباني السيطرة على البلاد وما رافقه من ازمات بقت عالقة حتى يومنا هذا./أنتهى

 

 



صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار