21
ابريل
2025
الدولار مقابل السيادة / عبدالعظيم حالوب/هولندا
نشر منذ 5 يوم - عدد المشاهدات : 131

في عالم تتفاوت فيه مستويات القدرة الاقتصادية لدول العالم ، تُعد المساعدات الخارجية التي تقدمها بعض  الدول الغنية للدول الفقيرة أحد أبرز  التعاملات الدولية تأثيراً. فمنذ منتصف القرن العشرين، أصبحت هذه المساعدات جزءًا لا يتجزأ من مكتسبات المال لدى تلك الدول المستفيدة..   وهنا يبرز التساؤل .. ما الجدوى  من هذه المساعدات، وما  الدوافع الحقيقية. للدول المانحة؟ وهل يمكن للدول المستفيدة الاستمرار  دون هذه المساعدات؟

تُعتبر الولايات المتحدة واحدةً من أكبر الدول المانحة للمساعدات الخارجية في العالم، حيث خصصت في العام 2024 حوالي 55 مليار دولار كمساعدات تنموية وإنسانية، دون احتساب المساعدات العسكرية التي تجاوزت هذا الرقم، لأوكرانيا وإسرائيل على سبيل المثال. فيما  أن أمريكا ذاتها غارقة في  الديون  و بيع السندات!

أما الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فما قدمته فاق  80 مليار يورو، بين مساعدات إنمائية، ودعمٍ للمنظمات الإنسانية الدولية، وتمويلٍ للاجئين فيما  تسهم كذلك دول أخرى مثل كندا، اليابان،   بمليارات الدولارات سنويًا.

ما لا يختلف عليه اثنان ان عالم السياسة يحكمه عالم القوة والمنفعة. في هذا العالم, يصعبُ وجود عطاءٍ خالٍ من المنفعة؟ فما هي حدود المنفعة التي تتلقاها تلك الدول المانحة من تلك الدول المستفيدة؟

رغم أن الخطاب الرسمي يؤكد أن "المساعدات تعكس التزامًا أخلاقيًا وإنسانيًا"، إلا أن النظرة الواقعية تكشف أبعادًا أخرى لهذه الاعطيات.

فالمساعدات هذه  غالبًا ما تُمنح لدول ذات أهمية ستراتيجية أو جيوسياسية، مثل أوكرانيا، ,او مصر.  والهدف دون شك تعزيز نفوذ الدول المانحة ،كخلق حكومات حليفة، وتقليم أظافر نفوذ ِ دولٍ مضادة للدول المانحة. و لتقريب الصورة أكثر, أنفقت الولايات المتحدة المليارات على مصر على مدار اكثر من اربعين عاماً, لدرء خطرها عن الكيان, بعدما اُبرمت اتفاقية كامب ديفيد والتي تُوّجت بتوقيع معاهدة السلام عام 1979. اقتضت هذه الاتفاقية أن تتلقى مصر مساعدات مالية مقابل إحلال السلام بينها وبين الكيان. والاعتراف بالكيان  كدولة مستقلة. لتخرج مصر من هذه الاتفاقية ومع كل هذه المليارات خاليةَ الوفاض!  ليصبح ثمن هذه الاتفاقية لعنةً,  يدفع شعب مصر  ثمنها حتى يومنا هذا .فتراجع دور الدولة في الإنتاج والخدمات, وازدياد الفجوة بين الطبقات, وتفكك البنية الإنتاجية الوطنية التي كانت قائمة على الصناعة والزراعة,  وتراجع الجنيه المصري إلى أدنى مستوياته,  ما هي إلا نزرٌ يسير  من عواقب هذه الاتفاقية.. فمصر كانت  سابقًا قوة إقليمية كبرى. بعد كامب ديفيد، خسرت جزءًا كبير من هذا الدور. وبرزت بالمقابل  قوى بديلة (مثل بلدان الخليج) كقادة اقتصاديين وسياسيين للمنطقة. وكل هذا يجري تحت رعاية ورغبة أمريكية.  أما الأموال  التي أنفقت على مدار ثلاث سنوات  على أوكرانيا لتركيع الروس. فالنتائج كانت ولا تزال كارثية ومهلكة للاوكران .

  و رجوعاً الى المنح وعلاقتها بالنظام العالمي  وما تلعبه هذه المساعدات  من دورٍ مؤثر على الواقع الدولي,  نجد أنه من اللافت أن هذه  المساعدات, لا تصل مباشرة إلى شعوب الدول المتلقية، بل تُعاد تدويرها عبر عقود تمنح لشركات من الدول المانحة، في مجالات يتم اختيارها بما يلبي بالتالي مصلحة الدولة المانحة وليس العكس.

كما أن هنالك منح لا تُعطى فقط عبر الحكومات، بل لمنظمات غير حكومية، بعضها مرتبط بأجندات سياسية أو حقوقية تخدم مصالح  الدول المانحة، مما يثير مخاوف لدى الأنظمة من "التأثير الناعم". وهذا ما حدث تحديداً في العراق بعد 2003. العراق وبعد عقدين من العزلة الدولية, وجدته بعض القوى ساحة خصبة لتنفيذ مخططاتها. المساعدات التي مررت برفقتها الكثير من الأفكار الدخيلة على  المجتمع العراقي .

إذا رغم أنه من  الصعب إنكار حجم التأثير الإيجابي لبعض المساعدات  الخارجية  خاصة في أوقات الكوارث والأزمات. لكن في الوقت ذاته، من السذاجة  أيضا الاعتقاد بأن أي دولة مانحة  تنفق بسخاء دون مقابل. المساعدات الدولية، وإن كانت تحمل طابعًا إنسانيًا في ظاهرها، فهي في الحقيقة خليط معقد من الإملاءات والشروط تصل في بعض الظروف والمواقف الى التهديد, كما أعلن ترامب  نيته  إيقاف المساعدات  حال رفضت مصر  خطة اخلاء غزة.

وننهي حديثنا بالعراق هل يعد هذا البلد دولة مانحة؟

إنّ الدول التي تعتمد على المساعدات الخارجية تكون، غالبًا، مضطرة لفتح أبوابها أمام نفوذ  الدولة المانحة، سياسيًا واقتصاديًا وحتى عسكريًا. ليصل الحال ببعض الدول أن تقيد سياستها الخارجية بما ينسجم ومصالح تلك الدولة المانحة, عدا الدول التي تتلقى دعمها من العراق….! وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على الدور الهزيل الذي تتبناه الحكومات المتعاقبة بقصدٍ أو من غير قصد. فالمساعدات النفطية السخية التي يبذلها العراق  للأردن منذ تسعينات القرن الماضي  وحتى الآن والتسهيلات الجمركية وخفض ضرائب البضائع , ما هو إلا مثال ملموس. رغم ما تلعبه هذه الدولة من دورٍ في زعزعة الاستقرار في العراق,  كاستقبالها 2003  لآلاف المحسوبين على النظام السابق الذين ثبتت إدانتهم في ازهاق ارواح الاف العراقيين. ناهيك عما يتعرض له المواطن العراقي عند المطارات و المنافذ الحدودية من ابتزاز ومضايقات ذات  نفس طائفي .وما حدث في ستاد عمان الدولي لا يحتاج إلى إشارة./انتهى

 

 


صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار