25
ابريل
2025
مواقف نبيلة ام انتحار مهني؟ عبدالعظيم حالوب/هولندا
نشر منذ 5 ساعة - عدد المشاهدات : 53

لطالما كان الفن مرآةً تعكس واقع المجتمع، بل وأحياناً صوتاً جريئاً يتحدى الظلم ويدافع عن القضايا العادلة. الفن الهادف ليس مجرد ألوان أو ألحان أو مشاهد تمثيلية فحسب، بل هو أداة قوية للتأثير والتغيير ايضاً.

فالفن ليس غريباً أن يكون الوجه الاخر للحياة ، فكلما اقترب الفنان من قضايا الإنسان، كلما ازداد صدقاً وعمقاً وأثراً. واٌثبتت لنا الاحداث, أن المواقف التي يتخذها الفنان الحقيقي لا تنمو من لحظات استعراضية او انفعالية عابرة، بل هي مواقف ودلالات تثبت بأن الفن قادر أن يكون سلاحاً ناعماً لكنه نافذ، يحمل رسالة، ويصنع فرقاً…

مشاهير يدفعون الثمن

في الغرب، لم يتردد الكثير من القامات الفنية التي صنعت نجوميتها  تلك الالة السينمائية الجبارة (هوليوود)  التي هي بلا ادنى شك  تتلقى دعمها من  الصهيونية العالمية. لم يترددوا في دعم القضايا الإنسانية العادلة. ففي احتفالية فلسطين للأدب (بالفست) نجد 29 فنانا وكاتبا من مختلف دول العالم، بينهم 4 من نجوم مسلسل صراع العروش، نددوا بالعدوان على غزة. وبالتأكيد يتطلب من  هذه المواقف النبيلة اثماناً قد تكون باهظة. ففي نوفمبر-تشرين الثاني 2023، تحدثت سوزان ساراندون ضد أفعال الحكومة الإسرائيلية خلال حرب غزة. في تجمع مؤيد للفلسطينيين في يونيون سكوير، بعد أربعة أيام، تم إنهاء عقدها مع وكالة المواهب المتحدة.

أما مارك رافالو، فلم يتردد في الحديث عن الحقوق الفلسطينية. فقد واجه  انتقادات بسبب دفاعه عن غزة وانتقاده للسياسات الإسرائيلية، لكنه بقي ثابتاً في موقفه. اتهم بمعاداة السامية "تلك التهمة  الجاهزة والمفصلة لجميع الاحجام. وبالتأكيد هذا الموقف سيتسبب بعزلة هذا الممثل و عدم إسناد الأدوار الرئيسية له بعد الآن.

 وفي سياق اخر, الفنان الأمريكي كولن كايبرنيك، لاعب كرة القدم الأمريكية، رغم أنه ليس فناناً بالمعنى التقليدي، لكنه كسب ود الناس وبجدارة. فحركته الشهيرة بالركوع أثناء النشيد الوطني الأمريكي احتجاجاً على عنف الشرطة ضد السود ألهمت كثيراً من الفنانين في تجسيد هذا التحدي في أعمالهم الفنية ، مما ساهم في تقوية حركة  Black Lives Matter. الفنان حين يختار أن يكون صوتاً للحق، يصبح أكثر من مجرد نجم، بل يتحول إلى ضمير. في زمن التحلل والانقسام، يظل الفن الهادف نوراً يضيء طريق الوعي، ويعيد تشكيل ابجديات و وجدان الشعوب ، ويمنح القضايا الإنسانية مساحة في قلب كل متلقٍ.

مارلون براندو العراب الأوحد

نعم، رفض مارلون براندو جائزة الأوسكار في عام 1973. الرفض الذي كان  من أكثر المواقف السياسية جرأة في تاريخ هوليوود، وقد أثر بشكلٍ كبير على صورته العامة وعلاقته بالمؤسسة السينمائية الأمريكية، ربما تأثرت  مسيرته الفنية و لكن كان هذا ازاء مكاسب أخلاقية.

ماذا حدث بالضبط؟

في حفل توزيع جوائز الأوسكار عام 1973، فاز براندو بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم "The Godfather"، لكنه رفض استلام الجائزة احتجاجاً على طريقة تصوير هوليوود للهنود الحمر (السكان الأصليين) وسوء معاملتهم.

أرسل بدلاً منه ناشطة أمريكية من السكان الأصليين تُدعى ساشين ليتلفيذر (Sacheen Littlefeather)، التي ألقت كلمة نيابة عنه على المسرح.اعتبر كثيرون براندو رمزاً للضمير الإنساني، وموقفه هذا ألهم عدداً من الفنانين لاحقاً لاتخاذ مواقف سياسية علنية.سُلط الضوء على قضية السكان الأصليين، التي كانت مهمشة حينها.رسّخ مكانته كفنان "متمرد" لا يخضع للمؤسسات.

تم مهاجمته بشدة من الإعلام الأمريكي، ووُصف بأنه "ناكر للجميل" و"مثير للجدل".هاجمته أكاديمية الأوسكار بشدة، وتم منع ساشين الفتاة التي حضرت نيابة عنه من الظهور لاحقاً على أي من منصات الأكاديمية. أصبح "غير مفضل" في أوساط هوليوود ، وتقلّصت عروض الأدوار عليه لفترة من الزمن.على المدى البعيد مارلون براندو بقي أحد أعظم الممثلين في التاريخ، لكن مسيرته بعد هذا الحدث لم تكن بنفس الزخم السابق. اختار أدواراً أقل، وأصبح أكثر انتقائية وانعزالاً. كان يرى الفن رسالة، ولم يهتم بالشهرة أو الجوائز. توفي بعيداً عن اضواء الكاميرات وصخب الاعلام, وهذا ما اراده تماماً رغم ان سحر ادائه  في الاب الروحي ظل حاضراً رغم إرادة هوليود المضادة. .

. فنانون من بلاد العُرب أوطاني

في البلدان العربية قد يكون ثمن الكلمة ابهظ بكثير.الفنانة فيروز، رمز الصوت الحر في العالم العربي، غنّت للبنان، لفلسطين، وللمقاومة، ورفضت في كثير من الأحيان الانحياز لأي طرف سياسي داخلي، مما جعلها رمزاً وطنياً جامعاً. أغنيتها "زهرة المدائن" كانت وما زالت نشيداً شعبياً يعبر عن حب القدس والق تلك البقعة المباركة، ما جعل صوتها أداة مقاومة لا تقل شأناً عن أي خطاب سياسي أو حجارة تصيب جبين الاحتلال. .

ماذا يمكن أن تكلف هذه المواقف الفنان؟

الكثير..!

ليست كل المواقف  سهلة أو مرحّب بها. فمنهم من تعرض  للرقابة والتضييق ومنهم من تعرض للاستبعاد. ومنهم  من تعرض لما هو أسوأ.

وهنالك المبدع العراقي الجميل قاسم حول. من منا لا يعرف هذا الاسم. كاد يدفع حياته ثمناً لموقفه الرافض للعمل تحت سلطة البعث أول استحواذه على السلطة, ولكن نجى بأعجوبة يذكر الحادثة مفصلةً في مذكراته.. لكن رغم ذلك، بقي صوته حاضراً ومؤثراً وصادقاً..

حين يصبح الفن صوت الشعوب

إن الفنانين، في نهاية المطاف مواطنون، يشعرون بآلام شعوبهم ويتفاعلون مع الأحداث من حولهم. والمواقف السياسية بل قل الانسانية  التي يتخذها بعضهم ليست دائماً مدفوعة بالشهرة، بل كثيراً ما تنبع من إحساس صادق بالمسؤولية. اتخذوا مواقف سياسية جريئة، فوضعوا شهرتهم  ومستقبلهم بل وحياتهم الشخصية ايضاً في خدمة قضايا إنسانية وأخلاقية./انتهى

 

 


صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار