24
سبتمتبر
2025
بـيـن الأمـس الـسيـاسـي الـنـزيـه والـيـوم الـمـسـرحـي الـهـزيـل ..!!
نشر منذ 5 ساعة - عدد المشاهدات : 30

مـا كـنتُ أهـوى أن أكـتب فـي دهـالـيـز الـسـياسـة الـعراقـيـة، ولا كـنتُ أعـدّهـا مـيدانـاً يـلـيـق بـالـقـلـم أو يـفـتـح شـهـيـة الـعقل، لـكن إلـحاح الـقرّاء ومـا يـفرضه الـواقـع مـن ثـقلٍ ومـرارة، دفـعني أن أضع كـلماتي هـنا، كـمن يـكتب وهـو يـتوجّـع، لا حـبّاً فـي الـسياسـة، بـل خـشيـة أن يـصمت أمـام مـشـهـد يـتـكرر حـتى صار عـادة يـومـيـة.

حـين نـعود إلى الأمس، نجد السياسـة أشبـه بميزان قِسط، يـعرف الناس ثقلـه حـتى وهُـم يختلفون معه، السياسـي كـان موقفاً قبل أن يكون مقـعداً، وكـان اسماً قبل أن يكون سلّماً إلى السلطـة، لذلك كان خصوم الأمس يحترمون بعضهم رغـم العداء، لأن وضوح الموقف يمنح حتى الخلاف طعماً نبيلاً،

أمـا اليوم فقد انكسر المعنى صار السياسي يتنقّل من حزب إلى آخر كما يتنقّل المارّ من مقهى إلى مقهى، لـم يعد للإنتماء وزن، ولا للموقـف جذر، ولا للماضي ذاكرة، يكفي أن يفتح الحزب أبوابـه حتى يدخل السياسي بثوب جديد، ناسياً ما قاله بـالأمس، لا الحزب يسأل، ولا الرجل يـخـجل، وهـكذا تحوّلت السياسة من ساحة مواقف إلى سوق مساومات،

المؤلم أن العراقي لم يعد يندهش من هذا المشهد، فقد صار مألوفاً لديه كإعادة مسلسل قديم يُبث كل أربع سنوات تحالفات قبل الانتخابات، خصومات بعدها، ضجيج في العلن، وصفقات في الكواليس، ثم صمت يسبق جولة جديدة، وهكذا تُستنسخ المسرحية بوجوه متغيّرة وأدوار متشابهة،

حين كان السياسي موقفاً، كان العراق يراه ثقيلاً محترماً، حتى لو اختلَفَ مَعـه، أما اليوم فالسياسة صارت مسرحاً يُباع فيه المبدأ ويُشترى المقعد، وصارت تُثير الضحك المرّ أكثر مما تثير الاحترام،

ولأن هذا التكرار قتل المعنى، فقد انهارت الثقة بين الشارع والسياسي، لم يعد العراقي يرى في السياسي صورة مَـن يمثّله، بـل ظلّاً باهتاً فـي مسرحيـة رديئـة، وهذا الانقطاع أخطر ما فـي الأمـر، لأن سقـوط الـثقـة لا يـهـدم السياسـة وحدهـا، بـل يـهـدم أسـاس الـدولـة بأكـمـلـهـا،

ولعل أقسـى ما يعيشـه العراقـي الـيـوم لـيس فـساد السياسـة وحـده، بـل انـكسار المعنى ذاتـه، حـين يـرى أن مـا كـان يـوماً قـضيـة نـضال، صـار الـيـوم مشهداً هـزيـلاً يـتكرر علـى خشبـة الـوطـن.

أنـوه.. مـقـالـي هـذا لا يـستـهـدف جهـة بعينها ولا شخصيـة سياسيـة بذاتها، إنـمـا أقـصد بـه عـمـوم السياسـة التي نراهـا الـيـوم، والتي قـد تجد لـهـا أشـباه ونـظائـر في غير بلد من أوطانـنا العربيـة، والغايـة مـن كتابـتي ليست التشهير ولا الهجوم، بـل تذكير السياسيين بـما يعانيـه الشعب {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى}، عسى أن يتناسوا خلافاتهم قليلاً ويتذكروا أن مصالـح الناس أبدى وأقـدس مـن عـمق الخلافـات التي أهلكت الـبـلاد والـعبـاد.

 

 


صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار