18
يونيو
2020
قراءة في رواية الخوف لـ ستيفان زفايغ
نشر منذ Jun 18 20 pm30 08:01 PM - عدد المشاهدات : 1502


قراءة / ميرفت الخزاعي

 

أغفلتُ  متعمدة مقدمة الرواية  وهذه  هي عادتي عند قراءة الكتب الأدبية المترجمة وغيرها ، أترك لنفسي  تصفح الكتاب من غير  توصية او تزكية من اي انسان حتى لو كان من  المؤلف نفسه.

لم يضيع الكاتب ستيفان زفايغ وقتاً في الشرح او الوصف او التمهيد لموضوع روايته وثيمتها الأساسية  ( الخوف) بل ذكرها وأفصح عنها منذ الصفحات الاولى .

في البداية اعترضتُ على سبب اختيار المؤلف لهذا العنوان  الكاشف و ربما الفاضح لموضوعة الرواية غير اني اكتشفت فيما بعد ان اكثر الامور غموضاً وصعوبة قد  تكمن خلف الأشياء الواضحة والصريحة.

حتى في أسوأ الأشياء هناك جوانب جيدة  ، هذا ما يود قوله  الكاتب المسرحي ومجسد سير ذاتية والحاصل على دكتوراه في الفلسفة النمساوي من أصل يهودي  ستيفان زيفايغ  في روايته القصيرة (نوفيلا)  التي كتبها عام 1913 ولا يتجاوز عدد صفحاتها 85 صفحة وقام ترجمتها أبو بكر العيادي.

 

يُعتبر الخوف حالة طبيعيّة فسيولوجية ونفسية تشعر بها جميع الكائنات، وهو عند الإنسان موجود في فطرته ومنذ ولادته، لكن نسبة الخوف تختلف من شخص إلى آخر، تبعاً لاختلاف الظروف والبيئات والعمر ونوع الشيء الذي سبب الشعور بالخوف له ، هناك أنواع كثيرة من الخوف ، تختلف في قوتها ونوعها وتأثيرها.

يؤثر الخوف بشكلٍ مباشرٍ في الهرمونات التي يفرزها الجسم ، كما يفعل في طاقته وحيويته ، و في بعض  أعضائه.

 

تناقش الرواية هذا الشعور اذ يطوق الخوف البطلة آيرين منذ صفحاتها الأولى ، فأثناء  خروجها من  بناية سكنية في أحد الأحياء الفقيرة حيث يقطن حبيبها العازف الموسيقي الشاب ، تجد نفسها محاصرة من قبل  إمرأة رثة الثياب وذات شكل وهندام غير مرتبين متهمة إياها قامت  بسرقة حبيبها ( إدوارد ) منها ، تبادر آيرين وبدون اي تفكير او تأخير بتقديم مبلغ من المال لإسكات فم المرأة الغاضب الذي راح يطلق حممه الكلامية بصوت مثير للإنتباه كما تعهدت لها بعدم مجيئها  لهذا المكان ثانية مقابل أن تدعها ترحل بسلام.

للخوف اشكال وانواع تختلف حسب المؤثر والمسبب له، فالبعض يخاف الاماكن المظلمة او المرتفعة او التحدث امام جمهور او جمع غفير من الناس او من مواجهة  شاشة الكاميرا او من حيوان ما او من شخص ما او من القيام بعمل ما.

يشمل  الخوف العلاقات الانسانية ، فخوف الام على ابنائها او خوف بعض الناس من الفراق او انتهاء بعض العلاقات او من  بدايتها وغيرها الكثير.

ظنت البطلة ان هذا الاجراء كفيل لإبعاد شبح الخوف عن حياتها وتقليص نفوذه وان المال يمكنه شراء كل شيء حتى الأمان و الهدوء والراحة والطمأنينة وليس الأكل والشرب والطعام وتأمين المأوى فحسب.

ومن خلال هذه الحادثة وتطوراتها المتسارعة والمتسلسلة صور الكاتب  الصراع بين الطبقات الاجتماعية  البرجوازية  الغنية والفقيرة.

عدت ايرين عشيقها كقطعة او لوحة فنية امتلكتها او حيوان أليف اقتنته مكملاً لحياة الرفاهية التي تعيشها  لذا حالما وجدت نفسها في موضع الاختيار او التفاوض او المقايضة تخلت عنه بدون  تأخير او تفكير.

ودت آيرين التخلص من شعور الخوف الذي ملأ حياتها بأسرع وقت فمع كل دقيقة كان وزن الذنب يصبح أكبر ، فالخوف غالباً ما يؤدي للكذب والمداراة والتحايل والتمثيل، وكلما اسرعت في تقويض سيطرته تحررت منه وشعرت بالراحة.

تصاعد شعور ايرين  بالخوف تدريجياً ،  فبعد ان كان محصوراً في الحي  الذي دأبت على لقاء حبيبها  فيه ، اتسعت رقعته  مقتحماً منزلها  ، حينها وجدت في السهرات التي يعقدها بعض اصدقائهم فترات أمان وهروب  من الكابوس الذي يلاحقها فقد تمكنت صديقة العازف من معرفة  شخصية وعنوان ايرين رغم احتياطاتها .

خطر الخوف يكمن في انه يضخم الامور والاشياء والاخطاء ويضاعف حجمها لكن هذا لا يعني بالتأكيد ان الخوف سيئاً تماماً فأحياناً يضع الحقيقة نصب عينك عارية وصريحة ومباشرة فما من سبيل امامك سوى مواجهتها.

اضطرار ايرين للمكوث في منزلها جعلها تدرك حجم وكبر الفجوة  بينها وبين زوجها فقد رضت بهذا الزواج التقليدي الذي اختاره لها والدها ولم تحاول التعرف حتى على زوجها او على شخصيته.

كما انه مكنها من معرفة دورها في هذه  الحياة وما الذي قدمت هي لها او لعائلتها.

مارس الزوج عمله كمحامي بارع وعد زوجته متهمة ، فوجد في خوفها وارتعابها اداة ووسيلة ضغط لحثها على الاعتراف او الافصاح عما حدث لها لكنه لم يفلح ، فأحياناً  لا يمكن السيطرة على هذه اللعبة الخطرة فقد تؤدي الى كارثة غير متوقعة.

يعد زفايغ من أبرز كتّاب أوروبا في بدايات القرن الماضي وقد اشتهر بدراساته المسهبة التي تتناول حياة المشاهير من الأدباء أمثال تولستوي ، وديستوفسكي وبلزاك ورومان رولان فيتناول الشخصية بحيادية ويكشف حقيقتها كما هي دون رتوش وفي الوقت نفسه يميط اللثام عن حقائق مجهولة أو معروفة على نطاق ضيق في حياة هؤلاء المشاهير الذين ذاع صيتهم.

كتب ستيفان العديد من المسرحيات والروايات والمقالات ومن أهم أعماله :

جنون الحب ، رسالة من مجنون ، بناة العالم، أربع وعشرون ساعة من حياة إمرأة ، فوضى الأحاسيس ، عنف الدكتاتورية ، لاعب الشطرنج ، السر الحارق.



صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار