![]() |
|
|
29
اكتوبر
2025
|
مجلس الدكتور عبد الرزاق محيي الدين... بيت الوطن المفتوح على الحوار
نشر منذ 6 ساعة - عدد المشاهدات : 213
|
بقلم /
جعفر محي الدين / النجف
يعد
مجلس العلامة الراحل الدكتور عبد الرزاق
محيي الدين من المجالس الثقافية
العامرة بالتبادل المعرفي والثقافي
ويظل نبضاً حيّاً في وجدان العراقيين، وهو بيت
الوطن المفتوح على الحوار يذكّرهم بأن الفكر لا يموت، وأن الكلمة لا تزال سلاحاً
قادراً على جمع ما فرّقته السياسة في زمن صارت فيه المجالس الثقافية مجرد
ذكرى بعيدة.
اليوم،
تحت راية الدكتور علي عبد الرزاق محيي الدين، يستمر المجلس في عقد جلساته الشهرية،
جامعاً شخصيات من مختلف الاتجاهات، لا يفرّقهم الانتماء أو الطائفة، بل يوحّدهم
حرصهم على وطنهم ورغبتهم في مستقبله. يجلس الجميع حول طاولة واحدة، يتحدثون
بصراحة، يناقشون القضايا التي يتهرب منها الآخرون، مؤمنين بأن النقاش الصادق هو
حجر الأساس لأي إصلاح حقيقي.
في
الجلسة الأخيرة، استضاف المجلس الفريق الركن نجيب الصالحي، الذي قدم قراءة عميقة
للانتخابات البرلمانية 2025 واعتبرها فاصلة سياسية في تاريخ العراق الحديث. لم تكن
محاضرته مجرد سرد للوقائع، بل محاولة لفهم واقع بلد يقف على مفترق طرق بين أمل
بالتغيير وخوف من تكرار الأخطاء. تحدّث عن المسؤولية الوطنية وضرورة وعي المواطنين
بمصيرهم، وأهمية أن تعود الدولة لمفهومها الحقيقي: دولة المواطنة قبل أي مصالح
شخصية أو حزبية.
ما
ميّز الجلسة ليس عدد الضيوف أو ثقل المناقشات، بل روح الاحترام وقبول الرأي
المختلف بالحجة والمنطق. في هذا المجلس، لا يُسكت الصوت إلا بالمنطق، ولا يُرفض
الرأي إلا بعد فحصه بدقة. هذا هو جوهر الثقافة الحقيقية: مساحة للصدق، للحوار،
ولتصحيح مسار المجتمع بعيداً عن الانقسام والمجاملة.
الصور
على الجدران ليست مجرد زخرفة، بل ذاكرة حيّة تذكّر الحاضرين بجذور هذا البيت
الثقافي الذي ظل مفتوحاً للعقل والنقاش منذ عقود. إنه مجلس الشعب، لا نخبة صغيرة،
نموذج لما يمكن أن يكون عليه العراق حين يستمع الجميع لبعضهم دون تحيّز أو تعصب.
استمرار
هذا المجلس في زمن الضوضاء والإغراق الإعلامي دليل على أن الوعي ما زال حياً، وأن
الثقافة هي طريق النجاة. فالمجالس تموت حين يُهملها أهلها، لكنها تبقى حية حين
يجدها من يرعاها بحب وإيمان صادق بدور الكلمة.
هنا،
لا تُلقى المحاضرات فحسب، بل تُسترجع إحساسات الأمة: أن الوطن فكرة تُبنى بالحوار،
وأن الأصوات الهادئة أحياناً تكون أقوى من صراخ الشوارع. ويبقى المجلس شاهداً على
أن العراق قادر أن يجتمع حول العقل لا حول الخلاف، وأن أي تغيير حقيقي يبدأ بمكان
يجلس فيه الجميع على مقعد واحد، ويخرجون منه بفكرة تبني لا تهدم.
