17
يوليو
2020
الروائي احمد شبلول... أنا من جيل نشأ في أحضان قصور الثقافة بالإسكندرية
نشر منذ Jul 17 20 am31 09:51 AM - عدد المشاهدات : 1717

 

المرسى نيوز / حاورته .. سهاد عبدالرزاق

مدينة بناها الإسكندر الأكبر عام 332 م وتطورت حتى أصبحت العاصمة التجارية لمصر فتلك المدينة  تضم  بين طياتها الكثير من المعالم المميزة، إذ يوجد بها أكبر موانئ مصر البحرية (ميناء الإسكندرية وميناء الدخيلة) فتمر بالمدينة نحو 80% من إجمالي الواردات والصادرات المصرية، وتضم أيضًا مكتبة الإسكندرية الجديدة التي تتسع لأكثر من 8 ملايين كتاب، كما تضم العديد من المتاحف والمواقع الأثرية مثل قلعة قايتباي وعمود السواري وغيرها، لكن الإرث الأكبر لهذه المدينة هو الإرث الثقافي فهناك اسماء ملأت تاريخ مصر كانت كلها من تلك المدينة العريقة جمال عبدالناصر و توفيق الحكيم وسيد درويش ومحمود عبدالعزيز وهند رستم وغيرهم الكثير الكثير من الأسماء المصرية المعروفة. ضيفنا اليوم من الأسماء التي لها بصمة واضحة في سماء مصر الثقافية وهو من مواليد تلك المدينة العظيمة. المرسى نيوز حاورت الشاعر والروائي المعروف أحمد فضل شبلول .

.متى كانت البدايات وكيف؟

أنا من جيل نشأ في أحضان قصور الثقافة بالإسكندرية، وخاصة قصر ثقافة الحرية، في سبعينيات القرن الماضي، حيث كان يحتضننا نادي الشعر بكل رموزه السكندرية التي تتلمذنا عليها من أمثال: محجوب موسى، وعبدالعليم القباني، وعبدالمنعم الأنصاري، وأحمد السمرة، إلى جانب الشعراء الآخرين الذين لم يأخذوا دور المعلم، ولكنهم كانوا نجوما شعرية ساطعة في سماء الإسكندرية من أمثال: محمود العتريس، وإدوار حنا سعد، ومحمود عبدالحي، وعمر الجارم، ومحمد مكيوي، وعلي المحمدي، وكامل حسني، وسيد عقل وغيرهم. وكان السن قريبا بيننا وبين الشعراء الشباب الذين وجدناهم يتألقون هناك من أمثال: فوزي خضر وفهمي إبراهيم وعبدالمنعم سالم وصبري أبوعلم وسعيد نافع وأحمد الشيخ ومحمد رفيق خليل ومحمد المصري وعزيزة كاتو ومحمد الصديق شحاته وغيرهم.

وأتذكر أن أول شاعر استقبلني واستمع إلى ما كنت أكتبه من كلمات وأشباه قصائد هو عبدالعليم القباني الذي نصحني بالانتظام في درس العروض عند الشاعر محجوب موسى، وفي هذا الدرس زاملت شعراء جيلي من أمثال: مرسي توفيق وعبدالرحمن عبدالمولى ومحمود عبدالصمد زكريا ومحمد عبدالفتاح الشاذلي ومحمود إدريس وناجي عبداللطيف، وأحمد فراج، ثم انضم إلينا بعد ذلك في بداية الثمانينيات أحمد محمود مبارك وهدى عبدالغني وحسام الدين شوقي وأحمد النقييب، وكنا نكتب القصائد العمودية والقصائد التفعيلية، وإن كنت أنا أميل أكثر إلى كتابة التفعيلة، وكنا نعيش هذا الصراع داخل نادي الشعر بين العمودي والتفعيلي، فعبدالمنعم الأنصاري وأحمد السمرة كانا من أشد المعارضين للتفعيلة، ومحجوب موسى كان يكتب في كل الأشكال؛ عمودي وتفعيلي وزجل وعامية، ولم يكن متشددا في هذه المسألة، ولكن عندما تيقن الأنصاري من موهبتنا وإصرارنا بدأ هو نفسه يقدمنا في الندوات والأمسيات الشعرية التي كان يشرف عليها سواء في قصر ثقافة الحرية، أو قصر ثقافة الأنفوشي. ولا ننسى هنا دور السيدة عواطف عبود المشرفة الثقافية التي كانت تولينا كل اهتمام ورعاية وتصر على مشاركتنا في الأمسيات والندوات وخاصة التي يشارك فيها شعراء من القاهرة، لتؤكد أن الإسكندرية شاعرة، وولود، وأنها تهتم بالشعراء الشباب كما تهتم بالشعراء الكبار، وكان لهذا أثره الإيجابي علينا حيث نتعرف إلى النقاد والشعراء الكبار الذين يمتلكون مفاتيح النشر في القاهرة، فكانوا يأخذون قصائدنا وينشرونها في مجلات مثل الكاتب والهلال وأكتوبر وإبداع وغيرها، أو يذيعونها ويناقشونها في الإذاعة مثل برنامج "مع الأدباء الشبان" الذي كانت تقدمه هدى العجيمي، وبرنامج "ألوان من الشعر" الذي كان يقدمه الشاعر محمد إبراهيم أبوسنة، وبرنامج "كلمات على الطريق" الذي كان يقدمه الشاعر فاروق شوشة.

. أين يجد شبلول نفسه في الشعر ام الرواية؟

صراحة في المجالين، القصيدة أحيانا تفرض نفسها علي، وأحيانا الرواية، فرواية "رئيس التحرير" – وهي أول رواية كتبتها – هي التي فرضت نفسها علي كشكل أدبي أخوض فيه الكتابة لأول مرة، ولم أكن أستطيع كتابة هذه الرواية التي بها قدر من السيرة الذاتية في عمل شعري أو مسرحية شعرية،  فاختار الموضوعُ شكلَه، وهي لا تخلو من الشعر باعتبار أن بطلها شاعر أيضا في الأساس.

. كيف يرى شبلول المشهد الثقافي العربي؟ واين يضع مصر من هذا المشهد؟

المشهد الثقافي العربي ليس بخير في معظم الأقطار العربية بسبب الأزمات التي تمر بها المجتمعات العربية، وهذا ينعكس بطبيعة الحال على المشهد الثقافي الذي هو جزء لا يتجزأ من المجتمع. فنحن نعلم أن عددا من الدول العربية الكبيرة وذات الحضارة المؤثرة تمر بأزمات، ولكن هناك مثقفون صامدون حتى الآن في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر. وأعتقد أن مصر حاليا أفضل حالا من سنوات سابقة بسبب الاستقرار الذي تتمتع به حاليا، فهذا انعكس على أداء المؤسسات الثقافية وعلى دور المثقفين، لكن تأتي أزمة وباء كورونا العالمية لتعيد المشهد الثقافي إلى الخلف قليلا ليخطف المشهد الصحي والطبي أنظار الناس بما فيهم المثقفون أنفسهم.

. هل للمتلقى نصيب في تفكير شبلول عند كتابة الرواية؟

عندما أكتب عملا روائيا فإنني أقضي أوقاتا لجمع المعلومات عن الفترة الزمنية التي اكتب عنها أو عن الشخصيات الرئيسية التي أكتب عنها مثلما حدث مع الفنان التشكيلي محمود سعيد في روايتين عنه هما: اللون العاشق، والليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد. وبالتأكيد يكون المتلقي في الخلفية أو في العقل الباطن لأنني أكتب عملا سيقرأه الناس، وإلا ما كنت طبعته في كتاب أسعد كثيرا إذا كانت أرقام توزيعه مرتفعة، ويطبع أكثر من مرة، مثل "رئيس التحرير" الذي ستظهر طبعتها الثالثة قريبا. ولكن ليس معنى ذلك أن المتلقي هو الذي يوجه العمل، وأنني أخشى أن يسيء فهم بعض المواقف وبعض العبارات، إذا وضعت هذا في مخيلتي أثناء الكتابة، فلن أستطيع أن أكمل العمل. ومثال على ذلك أن إحدى الصديقات القارئات قرأت رواية "الماء العاشق" قبل طباعتها، واقترحت أن أحذف مشهد علاج شيخ مغارة جعيتا اللبنانية لبطلة الرواية هدى إسماعيل التي كانت لا بد أن تتعرى ليدهن الشيخ كامل جسدها بالعطر الملكي الذي اكتشفه بطل الرواية عمر ياسين في حمام كليوباترا بمرسى مطروح، لتزول الرائحة الكريهة التي تتعذب بسببها هدى إسماعيل. وقلت لتلك القارئة إن حذف هذا المشهد من الرواية يسقط الرواية من الأساس لأن بعد دهان الجسد بذلك العطر تشفى الفتاة، وتتحول شخصيتها إلى مراحل أخرى.

. هل وجدت كتابات شبلول الطريق إلى السينما المصرية أم انها بعيدة عنها؟

حتى الآن لم يحدث هذا الأمر. وأنا مستبشر خيرا بخصوص ما كتبته عن محمود سعيد وعوالمه الفنية والاجتماعية والثقافية والمحطات الدرامية في حياته وشخصيته،  فكل هذا يؤهل ما كتبته في الروايتين عنه لأن يتحول إلى فيلم درامي لأن السينما تبحث دائما عن الشخصيات والأحداث الدرامية، وليس عن الشخصيات أو الأحداث المسطحة التي لا تثير المشاهد وتجعل عينيه مبحلقتين في الشاشة طوال الوقت.

. ماذا أضافت لك تجاربك خارج مصر كإنسان وككاتب للرواية والشعر؟

أضافت الكثير، حيث تعرفت على مجتمعات جديدة وعادات وتقاليد جديدة، وملاحظات جديدة على الإنسان، خاصة أنني عندما عملت في الخليج؛ في السعودية والكويت تحديدا تعرفت على جنسيات كثيرة معظمها من شرق آسيا مثل الهنود والباكستانيين والأفغانيين والإيرانيين والصينيين والفليبيين إلى جانب بعض الجاليات العربية من المغرب العربي والسودان وسوريا ولبنان واليمن وغيرها، وكل هذا أثرى تجربتي الإنسانية والفنية وخاصة في مجال الرواية، وظهر تأثيره الأكبر في رواية "رئيس التحرير". فهناك سوريش العامل الهندي الذي صار صديقا ليوسف عبدالعزيز، وهناك الخادمة الهندية التي كانت تذهب لتنظيف بيت بطل الرواية، وهناك السائق الفلبيني وشخصيات أخرى غير خليجية، مثل زملاء المجلة من سوريا ولبنان على سبيل المثال.

. هل يمكننا أن نصنف  رواية (رئيس التحرير) كسيرة ذاتية لشبلول؟

ليست كلها سيرة ذاتية، لأن الخيال الروائي أضفى عليها الكثير من المتخيل سواء في بعض الشخصيات أو بعض العلاقات والتفاعلات. وقد احتار عدد من النقاد في تصنيفها، وعلى سبيل المثال قالت الناقدة اللبنانية د. لنا عبدالرحمن عنها: تقف رواية "رئيس التحرير" للكاتب الشاعر أحمد فضل شبلول بين تخوم الرواية والسيرة الذاتية، مع التقاطعات العديدة بين الجانب الواقعي الذي يتعلق بالكاتب والجزء التخيلي الوارد في الرواية.

وأضافت شيئا مهما يفيد في الإجابة عن السؤال السابق: رواية "رئيس التحرير" رغم ما فيها من اشتباك أجواء الصحافة وصراعاتها، والتنافس بين أبناء المهنة الذي يصل حد العداء والحروب الصامتة تُعتبر مرآة كاشفة ليس لعورات هذه المهنة وحسب، بل للادعاءات وللعلل النفسية والتشوهات المؤذية في الأوساط الثقافية أيضا، هذا بالتوازي مع كشف علاقات الغربة بوجوهها وطبقاتها الكثيرة، حيث لا يشترط من أبناء الهوية الواحدة أن يكونوا أكثر تعاونا ومحبة لبعضهم ليعض، بل على العكس يكشف الكاتب كيف من الممكن لأهل البلد الواحد أن يتسببوا لبعضهم بالأذى نتيجة حقد أو غيرة مهنية.

أيضا قال الناقد المصري شوقي بدر يوسف عنها: لقد كان للكاتب بحسب السيرة طموحاته الخاصة نحو مهنة "رئيس التحرير"  وأن ملامح وظلال هذه الشخصية بمعناها المهنى كانت هى المهيمنة على موضوع النص بأكمله. كذلك كانت العلاقات الخاصة التى كانت تربط الكاتب بزملاء المهنة من الشخصيات العربية المختلفة كانت هى الأخرى لها دور فى حياة الكاتب وبالتالى فى نسيج السيرة سواء كانت بالسلب أو الإيجاب. لقد كان الكاتب بحسب ما قالت عنه منى فارس فى بداية السيرة إنه "حل يبحث عن مشكلة".

. ما مدى علاقة شبلول باتحاد الادباء والكتاب  المصري؟ هل تسنمت مناصب إدارية فيه؟

أنا حاليا عضو مجلس إدارة في اتحاد كتاب مصر، وقد سبق أن كنت عضوا أيضا في مجلس الإدارة لمدة تسع سنوات من 2001 وحتى 2010 وقدمت استقالتي عندما سافرت للعمل في مجلة "العربي" بالكويت، وعندما عدت عام 2016 رشحت نفسي مرة ثانية ودخلت المجلس بأعلى الأصوات، وتسلمت مهام لجنة العلاقات العربية بالاتحاد حتى الآن.

. هل ساهم الاتحاد في طباعة عدد من أعمالك؟

نعم .. طبعت من خلال عضويتي في اتحاد كتاب مصر ديواني "إسكندرية المهاجرة" عقب عودتي من تجربة العمل في المملكة العربية السعودية، حيث يحتوي هذا الديوان الذي صدر عام 1999 على أغلب القصائد التي كتبتها في الغربة.

. هل زرت العراق سابقا؟

نعم .. زرته مرتين للمشاركة في مهرجان المربد الشعري في بغداد، المرة الأولى كانت عام 1986 والمرة الثانية عام 1988 كما جاءتني دعوة للمشاركة في المهرجان عام 1990 ولكن حدث الغزو الصدامي للكويت في 2 أغسطس 1990 وتأجل كل شيء.

. هل أنت متابع للمشهد الثقافي العراقي؟ وكيف وجدت  العراق من الناحية الثقافية؟

كنت متابعا جيدا للمشهد الثقافي العراقي في السبعينيات والثمانينيات من خلال المجلات العراقية الرائعة والمهمة التي كانت تصل إلينا في مصر وننشر فيها أحيانا مثل مجلة "الأقلام" ومجلة "الطليعة الأدبية" ومجلة "المورد" وغيرها، كما كنت متابعا جيدا لسلسلة "الموسوعة الصغيرة" واقرأ كل أعدادها التي تصل إلينا وكلها كانت بأسعار رمزية. كما كنت أتردد على مكتبة المركز الثقافي العراقي في شارع طلعت حرب بالقاهرة أمام مقهى ريش المشهورة. وقد طلب مني الناقد الدكتور محسن جاسم الموسوي أن أكتب في المجلة التي يرأس تحريرها وأظنها مجلة "آفاق عربية"، وكانت هناك صداقات مع بعض المبدعين العراقيين ومنهم من هو مقيم في العراق ومنهم من هاجر إلى بلاد أخرى، مثل يحيى السماوي، ومحسن الرملي، وعواد علي، ود. هيثم الزبيدي، وكرم نعمة، وغيرهم.

وبطبيعة الحال عندما سافرت للعمل خارج مصر ابتداء من العام 1987 بدأت تقل المتابعة، ولكن حاليا أتابع بعض الإصدارات التي تأتي عن طريق نسخ بي دي اف من مجلات مثل الأديب الثقافية والعراقية الأسترالية وغير ذلك، كما أنني أتواصل مع بعض الأدباء والمثقفين العراقيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وبرنامج الواتس وغير ذلك.

. إن رغبت بتوجيه كلمة لاخوانك العراقيين، فماذا ستكون؟

سيظل العراق هو مشعل الحضارة والثقافة الجادة والمؤثرة، مهما حاول المتربصون إطفاء تلك الشعلة الخالدة. إن بلد المتنبي وأبي نواس والسياب ونازك والبياتي وحميد سعيد وعلى جعفر العلاق وحاتم الصكر والركابي وعباس عبد جاسم وغيرهم الكثيرون من كبار شعراء العربية ونقادها سيظل دائما حاملا لمشعل الثقافة والحضارة والأصالة./انتهى

 

 

 

 


صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار