24
اكتوبر
2020
فكرة الحق والعدل ... بقلم المحامي علاء صابر الموسوي / البصرة
نشر منذ Oct 24 20 pm31 06:55 PM - عدد المشاهدات : 407

للقانون الاسلامي ميزان يوزن به ومقياس يقاس على أساسه لتحديد طبيعته وقيمته، وأثره وغايته، واتساقه مع غاية الوجود الكبرى.

فالقانون الإسلامي يقوم على اساس من معيار ((الحق والعدل )) كقيمتين ثابتتين في الحياة.

ويشكل هذان المفهومان((الحق والعدل)) الأساس والقاعدة التي يجري عليها التشريع الإسلامي بأسره، فما من قانون ولاتشريع الا وقد قام على أساس هذين المبدأين، شأنه شأن سائر حقائق الكون الأخرى..ولو شئنا التعرف على ((فكرة  الحق والعدل )) من وجهة النظر الإسلامية لأستطعنا أن نكشف السر في قيام التشريع الإسلامي وأبتنائه على هاتين القاعدتين، فهو يكمن في :

ان توفر صفة الحق في الشيء تمنحه اهلية الولادة والحدوث المشروع في حياة المجتمع. لأن الباطل لا موضع له ولا اصالة في نظر الاسلام، ولذا سمي باطلا...أي زائلا لا ثبات له، وعبثا لامبرر لوجوده،  وهدرا لاقيمة لذاته... وما هو إلا التناقض والاتجاه السلبي الذي يمارسه الإنسان ضد فكرة الحق. لذا رفضه القرآن وأعتبره طارئا زاهقا لايقوى على احتلال مكان الحق والثبات في عالم التحقيق.

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِ عَلَى البَاطِل فَيَدْمَغهُ فَإذا هوَ زَاهِق وَلَكْمْ الويلٌ مِما تَصِفُونَ) الانبياء/١٨.

(وَقُلْ جَاء الْحَقُ وَزَهَقَ الْبَاطِل إن الْباطِلَ كَانَ زَهُوقا ) الاسراء/ ٨١.

ومن يستطيع أن يشخص فكرة الحق التي تمنح الشيء ( قانونا كان أو موضوعا) اهلية الحدوث واحتلال موقع محدد في عالم الوجود غير خالق الوجود الذي احاط علمه بكل شيء...؟

لذا جاء تشريع المشرع الوضعي باطلا لايعرف الحق واعتباطا لايعرف التقييم،  وجزافا لايعرف التقدير، وزائلا لايملك الثبات، وعبثا لامبرر لوجوده، غير ارادة المشرع وهواه لانه يضع القوانين من تلقاء نفسه وحسب رغبته ومشيئته.

فالأنسان المشرع..وهو يشرع لايعرف موقع التشريع ولاقيمته أو آثاره بالنسبة لحقائق الوجود وغاياته.

لذلك وصف القرآن الكريم هذا التصرف من الأنسان بأنه: خلط وخبط وتيه وجهالة وتزييف، فتسائل مستنكرا تصرف هذا الإنسان الجاهل الذي تصدى لمسؤولية التشريع بقوله:

(وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَ بِالبَاطِل وَتَكتُموا الحَقَ وَأنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/ ٤٢.

(أُولَئِكَ الذِينَ لَيسَ لَهُم في الأخرةِ إلا النَار وَحَبطَ مَا صَنعُوا فِيهَا وَباطِلُ مَا كَانوا يَعمًلون أفَمن كَانَ عَلَى بَيِنَة مِن رَبهِ وَيتلوا شَاهِدُ منهُ وَمِن قَبلهِ كِتابُ  موسى إمَاما وَرَحمة أولَئِكَ يُؤمِنون به ،وَمَن يَكفُر بهِ مِنَ الأحزاب فالنارُ مَوعِدُه فَلا تكً في مِرية منهُ إنهُ الحقُ مِن رَبكَ وَلَكِنَ أكثرَ الناسِ لَا يُؤمِنونَ) هود/ ١٧.

ثم أكد بعد ذلك هدف التشريع الإلهي ودوره في تحديد الحق وطرد افرازات النفس البشرية الضالة التي أقتحمت على الحق منهجا وتشريعا عابثا باطلا فقال تعالى:( لِيُحِقَ الحَق وَيًبطِل البَاطِلَ وَلَو كَرهَ المجرِمُون) الانفال/ ٨.

(وَبالحقَ أنزَلناهُ وَبالحقِ نَزَلَ) الأسراء/ ١٠٥.

اما المعيار الثاني الذي يقوم عليه التشريع الإسلامي هو معيار ((العدل)) ، والعدل هو الميزان الذي توزن به الأشياء، وتعرف قيمتها، فهو وضع الشيء في موضعه،  وإعطاء كل ذي حق حقه.

ويحتل العدل الموقع الثاني في التشريع الإسلامي بعد مقياس الحق،  إذ كل شيء اكتسب صفة الحق يكون إقراره وتنفيذه في رأي الإسلام عدلا وحذفه ظلما وعدوانا.

والعدل هو صفة الله المقدسة التي تنطبع آثارها في كل أفعاله ومظاهر رحمته. بما فيها القانون الموحى للبشرية جمعاء لذا فأن مفهوم العدل في القرآن يسلك كقاعدة أساسية تقوم عليها كل أفعاله الله سبحانه ،سواء التكوينية منها أو التشريعية.

وقد عبر القرآن الكريم عن وجود هذا المقياس في الشريعة الإسلامية بعبارات مختلفة، كالميزان،  والقسط،  والعدل ،والقسطاس المستقيم ..الخ .

فقال عز من قائل ( إن الله يأمرُ بِالعدلِ وَالأحسَانِ وَإيتَاءِ ذِي القُربَى وَينهى عَنِ الفحشَاءِ وَالمنكَرِ وَالبَغي يَعِظُكُم لَعَلَكُم تَذَكرُون) النحل/٩٠.

(إنَ الله يَأمرُكُم أن تُؤدوا الأمَانَاتِ إلى أهلِها وَإذا حَكَمتُم بَينَ الناسِ أن تَحكُموا بِالعَدلِ، إن الله نعِما يَعِظُكُم بهِ ،إن الله كَانَ سَميعا بَصِيرا ) النساء/ ٥٨.

( وَإذا فَعَلُوا فَاحِشة قَالوا وَجَدنَا عَلَيها آبآنا وَالله أمَرَنَا بِهَا قُل إن الله لَا يَأمُرُ بِالفَحشَاء، أتَقُولونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعلَمُون، قُل اَمرَ رَبي بِالقِسطِ وَأقيموا وُجُوهَكُم عِندَ كُلَ مَسجِد وَادعُوهُ مُخلِصِينَ لَهُ الدِينَ كَما بَدَأكُم تَعُودُون ) الاعراف/ ٢٨_ ٢٩ .

(وَنَضعُ الموازين القِسطَ لِيَومِ القِيَامَةِ فَلاَ تُظلَمُ نَفسُ شَيئا وَإن كانَ مِثقالَ حَبة مِن خَردَلِ أتينَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسبينَ) الانبياء/ ٤٧.

وكما دعا القرآن للعدل بالتأكيد عليه، قام أيضا بشجب الظلم واستنكاره في مواضع متعددة وحمل على الظالمين وتوعدهم باللعنة والعذاب، مثال ذلك قوله تعالى:( ...وَسَيَعلَمُ الذينَ ظَلَمُوا أي مُنقَلبِ يَنقَلِبوُن ) الشعراء/ ٢٢٧.

( يَومَ لَا يَنفَعُ الظالِمينَ مَعذِرتُهُم وَلَهُم اللعنةُ وَلَهُم سُوءُ الدارِ) غافر/ ٥٢.

وبذلك اعتبر الإسلام ((العدل)) قاعدة أساسية لقيام أي شيء في الحياة، فلا يصح فعل أو قانون الا على أساس فكرة العدل، لأن العدل يحدد للموضوع وللتشريع قيمته وقدره، ويبين موقعه في موازنة الأشياء والأحداث، ليأتي التشريع دقيقا موزونا لاتضييع فيه ولا ظلم. ويفقد القانون الوضعي مثل هذه القيم والمقاييس والموازين ((الحق والعدل )) بصيغتها الموضوعية وبطبيعتها الواقعية.

لأنه لايملك فكرة واقعية محددة وثابتة عن مفهوم العدل: وانما ينظر اليها نظرة نسبية تخضع لطبيعة الأوضاع والتقديرات الإنسانية الذاتية لذلك تحول مفهوم (( الحق والعدل)) إلى اعتبار إنساني تتلاعب به أهواء المشرعين ورغبات المقننين./ انتهى

 

 

 

 


صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار